الاثنين، 14 مايو 2018

كل هذا لأنها لم تمتلك القدرة على التوقف..

-



 يقصدها الجمهور قاطعاً الآف الكيلوميترات، ليتخدّر بآداءها الأخاذ.
يقطعون التذاكر من على الإنترنت، يضعونها في مغلفات صماء، ويفاجئون بها أصحابهم، ويعيشون ليلة من حلم.
في صباح العرض، يستيقظون متأخراً، يتناولون شيئا مابين الإفطار والغداء.. يمشون في الشوارع بدون هدف ويشترون أشياء لاتهمهم، كل اليوم يجري بدون تخطيط، يسمونه ارتجالاً أو حرية..

أما هي.. فهي على الجهة الأخرى من المسرح، ينتابها الأرق حتى بعد الأداء المائة والخمسون، يضج رأسها بالصخب بالرغم أنها وحيدة على الكرسي الأول، تشرب قهوة منزوعة الكافيين، هي ذاتها القهوة على الملصق في كل مكان، القهوة التي لاتزيدها إلا غثياناً، تقوم بالآداء الثامن أمام المقاعد الفارغة، قال عنها البرنامج الوثائقي أنا تؤدي عشرة مرات قبل أن تؤدي للجمهور، يسمونه إنظباطا، لعله لم ينظبط فيه غيرها، تتوقف بعد ما انتهت من الآداء الأخير، تمشي باتجاه الممسحة، تلتقط جواربها وتلبس زوجين في كل قدم، وتبدأ بالمسح، تمسح عرقها الذي غسل الأرض، تمسح دمها الذي خط مسارها بدقة، تمسح دمعها المتناثر حول المسار..

تأخذ حمّاماً من ثلج، لا تستطيع البرودة العادية منعها من التبخّر، تجفف شعرها الذي لم تعد تعلم أين يصل تضعُ المستعار وتخرج إلى الشابة الغجرية التي تنتظرها أمام المرآة، لترسم شكلها كما رسمته أول مرة منذ سنوات، بنفس الدقة، بنفس الوضوح. تضعُ فستانها الأسود وتأخذ نفسا عميقا وتتقدم، بكل جمال، إلى وسط المسرح، تفعلها.. بمثالية متناهية، وجمهورٍ مفتوحٍ الفم، مُشخصَ العينين، مذهول. يلمس الصابون جروح قدميها فتتحرك، تتحرك من الألم،تتحرك من الخوف، تدور، يدور العالم في رأسها، تدور قلوب الجمهور، يقفون.. لايستطيعون المشاهدة جالسين بعد الآن، إنه ليس شيء يستطيع دماغك استيعابهُ بسرعة.. هذه هي المعضلة، هم يجيئون ليتوقف دماغهم عن العمل من الذهول، هي تعمل ليتوقف قلبها عن التوحش.. قليلاً.

عندما تنتهي لاتستطيع سماع التصفيق رغم أنها تراه، تشعر باهتزازه، هي فقط لا تستطيعُ سماعه من بين كل الصرخات الدي تنطلق من داخلها، تتذكر الآداء الأول المدفوع بالشغف لا الخوف، وتتمنى أن هذا الشغف المشؤوم لم يختارها، تبتسم وتودّع  الجمهور بمثالية.. وتعود.. تعود وحيدة بعدما تنزع كل شيء، تصرخ وحيدة وتبكي وحيدة حتى يعطف النوم عليها، المعضلة الثانية، أنها تعيد الكرّة الأحد القادم، تعيد كل هذه المأساة كل أحد، من قوة التعب.. لم تعد قادرة على التوقف، يستمر العرض وتستمر هي بالتعب والهلاك، لم تأتها يوما الثقة الكاملة بأنها تستطيع أن تتوقف، فبقيت تدور، على المسارات المرسومة لها منذ سنوات، هم يبيعون التذاكر والقهوة و العروض التلفزيونية ومنتجات التجميل وتشتري هي الألم، تريدُ أن تشعر بشيء جديد فقط، حتى لو كان مؤلماً.. كل هذا لأنها لم تمتلك القدرة على التوقف..




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق